أدوية ثلاثة لمن بُغي عليه
يقع الاختلاف، وتتباين الاجتهادات، وتلك سُنة مِن سنن الله في كونه، ويظل الإنكار بين المختلفين واقعًا، بل قد يشتدُّ وتزداد حدَّته، وإن كانت هذه الشدة وتلك الحدة قد يُعفى عنهما في حين ما لظروف ما، أو لذهولٍ أصاب قلوبًا لاشتدادِ فتنةٍ؛ فإن البغي بالقول والفعل حين الاختلاف لا يُمكن أن يُتعلَّل له، والافتراء واتهام نيات الناس بالباطل لا يمكن أن يُبرَّر بحال.
تتلاطم أمواج الفتن، وتعصف الرياح بالقلوب يمنة ويسرة، ويشتد الخلاف، وقد يُقبَل، إلا أن البغي يظل سكينًا يطعن القلوب، ويورث أصحابها حزنًا وهمًّا؛ أن يأتي البغي ممن ينتسبون إلى نفس ملتهم، ويصلُّون إلى نفس قبلتهم.
فإليك –يا من بُغي عليه- من صيدلية النفوس أدوية ثلاثة اصطفيتُها لك، هي بلسم لروح مَن أصابه البغي، وافتُري عليه بالكذب والبهتان، فاقرأها بقلبك، ثم اسقه منها هنيئًا مريئًا:
- الدواء الأول: أن تعلم أن البغي مهما آلم فإنه لا يغير في الواقع شيئًا:
فكلمات الباغي تذهب مع الريح لا أثر لها، قال تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
ولا يذوق مرارة البغي إلا صاحبه يوم يقف بين يدي ربه، وبين يديه كتابٌ (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها)، أو يذيقها الله إياه عاجلة في دنياه، وربك حكم عدل، (ولا يظلم ربك أحدًا).
فاجعل ما تراه من افتراء وكذب وبهتان دافعًا لك للعمل وتغيير الواقع، وليتعلَّق قلبك بالسماء، و لْتحرثْ يداك في الأرض، ولْتسقِ ولْتزرعْ؛ إصلاحًا وتعبيدًا للدنيا لله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه ما نقص من نوح –عليه السلام- أن قال له قومه: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)؛ بل ظل نوح هو نوح؛ نبي كريم من أولي العزم من الرسل.
وما نقص من هود –عليه السلام- أن قال له قومه: (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)؛ بل ظل هود هو هود؛ نبي عظيم الشأن مرسل من ربه.
وما نقص من شعيب –عليه السلام- أن قال له قومه: (وإنا لنراك فينا ضعيفًا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)، بل ظل شعيب هو شعيب؛ خطيب الأنبياء ونبي كريم.
وما نقص من نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- أن قال له كفار قريش: ساحر وكاهن ومجنون، بل ظل سيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء والمرسلين.
ما نقص من هؤلاء القدوات شيء بافتراء المبطلين، بل زادوا رفعة وشرفًا بثباتهم، ودار البغي على أصحابه، فـ(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
- وثاني هذه الأدوية: أن تنظر بعيني قلبك إلى الآخرة، وأن تعلم أن الموعد الله، (والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً):
فالدنيا قصيرة زائلة، والموعد يوم القيامة بين يدي ربٍّ عزيز قدير، وعلى الباغي تدور الدوائر، والظلم ظلمات يوم القيامة.
فمن آمن أن خصومته من الباغي عليه سيَحكم فيها الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة؛ اطمئن قلبه، وبرد صدره من ألم البغي.
وهذا المعنى من ثمرات التربية على العقيدة الصحيحة، والتربية على معاني الإيمان باليوم الآخر، ولا يعيها من اقتصرت معاني العقيدة عنده على سطورٍ في متونٍ ملقاةٍ في وادٍ، بينما هو وقلبه في وادٍ آخرَ قفرٍ غيرِ ذي زرع.
- وثالث هذه الأدوية: أن تشتكي إلى ربك مَن بغى عليك وافترى عليك كذبًا:
فإن كان المرء إذا آذاه أحد الناس اشتكاه إلى مَن له سلطان عليه؛ فاشتكِ أنت إلى ربك افتراء المفترين، وبهتان الظالمين، وقد اشتكى قبلك نبي الله يعقوب فقال: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)، واشتكى نوح فقال: (رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا)، واشتكى الكثير غيرهم من الأنبياء والمرسلين والصالحين، فكن على دربهم.
والشكوى إلى الله من أعظم ما يريح صدرك، ويزيح ألمك؛ فقد ألقيت بهمومك وشكواك ومخاصمتك بين يدي السميع العليم الذي لا تخفى عليه خافية.
وبعد أن أخذت ترياقك؛ فعلى ربك أقبل، وعن ساعديك شمِّر، وفي طريقك إلى الله انطلق، ومن نصح الناصحين استفد، وعن البغاة أعرض، وامش ولا تلتفت، وانطلق حيث مهمتك الرئيسية أيها الداعية.. يا حامل الرسالة الغراء: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).
0 التعليقات: