الأحد، 31 مارس 2013

والثبات نصرٌ.. حتى لا ننسى

نشرت من طرف : Unknown  |  في  5:01 م


والثبات نصرٌ.. حتى لا ننسى

يُقرِّر القرآن في أكثر مِن موضع أن العاقبة للمتقين، وأن الله –عز وجل- ينصر عباده المؤمنين، وقد قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [غافر:51].

ثم يجد المتأمِّل أن بعض قصص الصراع المبثوثة في القرآن تنتهي بسيوف مُسلَطة على رقاب أهل الحق، أو نيران تأكل أجسادهم، بما قد يتعارض عنده مع الوعد بالنصر، وإنما يقع هذا التعارض عند مَن لم يتأمل سنن الكون التي وضعها خالقه، ومَن لم يقف على ماهية النصر في القانون الإلهي.

إن القرآن يُعلِمنا أن النصر قد يكون بالغلبة وإقامة الدولة كما كان الحال مع داود –عليه السلام-: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) [ص:20]، وسليمان -عليه السلام- مِن بعده: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) [النمل:16]، وكما كان الحال مع ذي القرنين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) [الكهف:84].

ولكن يظل أصلُ النصر وأعظمُه وأولُه وآخرُه: ثبات أهل الحق على مبادئهم، وظهور حجتهم، وإن انتهت معاركهم مع أهل الباطل وقد أُلقوا في الأخاديد التي تشتعل نيرانها، وجلس الجبابرة على شفا الأخاديد تعلو قهقهاتهم.. فالنهاية في القرآن تتجاوز هذا المشهد الأرضي إلى ذاك المشهد السماوي: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) [البروج:10-11].

نحتاج أن نؤكد على ذا المعنى مِن معاني النصر دومًا، وأن يصطحبه العاملون مِن أبناء التيار الإسلامي في هذا المعترك الذي يخوضونه بصدورهم هذه الآونة، وأن نجدِّد العهد به دائمًا لأسباب؛ منها:

- أن النصر المتمثل في ظهور الحجة والبيان وثبات أهل الحق على حقِّهم هو الأصل في جميع الأحوال، وإذا حُرمت الأمة من التمكين والغلبة فإنها لا تخلو من هذا اللون من النصر؛ «وَلا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» [متفق عليه].

ـ وكذا فإن وضع هذه القضية موضعَها يرشِّد سبيل العاملين أثناء سعيهم في أسباب التمكين، فلا يغفلوا عن أن أصل انتصارهم وحقيقته أن يظهر الحق، وأن تظل قلوبهم ملازمةً له، وأن يسعوا في دلالة الخلق عليه، فيكون هذا هو الأساس في عملهم، فإن تولَّى بعضهم وبدَّلوا من بعد ما جاءتهم البينات فقد تُوعدوا مِن قبلُ: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) [الأنعام:89].

- وكذا فإن للعافية فتنة قد تكون أخطر من فتنة الاضطهاد والقهر، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]، وأبواب "كتمان الحق" و"المداهنة في الدين" و"الركون إلى الذين ظلموا" من أبواب الشيطان التي يفتحها على مصاريعِها حالَ العافية، فإذا تنبه العاملون الساعون إلى التمكين إلى تلك الأبواب لم يغتروا بنصرٍ مزوَّر ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبله العذاب، قد ذُبحت على أعتابه ثوابتهم ومبادئهم.. ونصرهم أيضًا.

- ثم والتاريخ يُرسم من جديد، والغد يزداد الضباب الحائل بيننا وبينه؛ فلا تعلم ماذا يخبئ لنا، وعلامَ سيستقر حال البلاد – فمن الواجب أن يتجلَّى عند العاملين هذا المعنى حتى لا تفتر الهمم إذا ما جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وكان الأمر على غير ما نرجو.

ينبغي أن يتقرَّر عند كل عاملٍ أن زكريا ويحيى –عليهما السلام- اللذين قتلهما قومهما قد انتصرا بثباتهما على الحق حتى الممات.

وأن نوحًا -عليه السلام- الذي (مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود:40] رغم أنه أُرسل إلى قومه (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) [العنكبوت:14]، وغيره من الأنبياء الذين كذَّبتهم أقوامهم، فثبتوا على الحق ولم يغيروا - أنهم كانوا هم المنصورون.

وأن رسل أصحاب القرية رغم أنهم قد كُذِّبوا وهوجموا إلا أنهم انتصروا بثباتهم (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ . وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [يس:16-17].

ويجيء رجل من أقصى المدينة يسعى لينصر دعوة هؤلاء المرسلين، قد بلغته دعوتهم وهو في هذا المكان البعيد فآمن بها، بل جاء يسعى منافحًا عنها، فيزدادون نصرًا على نصرهم بانضمام رجلٍ اعتنق دينهم وآمن بمبادئهم إلى ركبهم، ولو كان رجلاً واحدًا.

قصص كثيرة انتهت بهذا النصر، وكثيرون سعوا في طريق التمكين فلم تقر أعينهم برؤيته كاملاً أمام أعينهم، وكثيرون سعوا فلم يستجب لهم أحد ولم تنجح تجاربهم إذا ما وُزنت بميزان الدنيا المعوج، ولكنهم كانوا هم المنصورون حقيقة.

إننا كإسلاميين ونحن نسعى في طريق التمكين لدين الله –عز وجل- يجب أن نقف مع أنفسنا وقفات مراجعة بصورة مستمرة لننظر: أين نحن من ثوابتنا ومبادئنا، وهل حِدنا عنها أم لا، وأن نذكِّر أنفسنا دومًا بذاك النوع من النصر ونسأل: أين نحن منه؟.. حتى لا ننسى..

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top