الأحد، 31 مارس 2013

مستجدات العمل الإسلامي وأنواع من اليقظة

نشرت من طرف : Unknown  |  في  4:57 م


مستجدات العمل الإسلامي وأنواع من اليقظة

ذكر الإمام الهروي –رحمه الله- منزلة اليقظة على رأس منازل السائرين إلى الله –عز وجل-، وقال ابن القيم –رحمه الله- في مدارج السالكين: (فأول منازل العبودية "اليقظة"، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة! وما أعظم قدرها وخطرها! وما أشد إعانتها على السلوك! فمَن أحس بها فقد أحس -والله- بالفلاح، وإلا فهو في سكرات الغفلة).

كم أخشى أن تغوص قلوبنا في بحار من الغفلة في خضم المعترك الذي تخوضه الحركة الإسلامية، فيتحوَّل فريقٌ من العاملين إلى آلات و"تُروس" في "ماكينة" مستجدات العمل الإسلامي، فنفقد رأسَ مالِنا، ونفقد وصفَنا الذي نستحق به الغلبة والنصر في قوله تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:173]؛ فـ(جُنْدَنَا) يجب أن تكون قلوبهم معلَّقة بنا، لا يغفلون عنَّا، ولا تلتفت قلوبهم ولا تحيد.

إن أول نوع من اليقظة التي يجب أن تحلَّ في قلوب أبناء الحركة الإسلامية في هذه المرحلة أنهم في سعيهم -في أعمال الدعوة الإسلامية عامة وفي مستجدات العمل الإسلامي خاصة- سائرون إلى الله.
فذِكر منازل السائرين ومدارج السالكين في المشاركة في العمل العام، والانخراط في العمل السياسي، وغير ذلك من مستجدَّات العمل الإسلامي ليس بعجيب؛ فإنه بالفعل سير إلى الله، ولن ينجح إلا إذا آمن أصحابه بذلك!. ومن ثم فعلى أبناء الحركة الإسلامية أن تستحضر قلوبهم في كل لحظة مِن لحظات عملهم أن ما يفعلونه مِن لُبِّ عبادة الله –عز وجل-، (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162-163]، فلا تغفل القلوب عن معاني: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)، و(أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)، و(إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ).

ومن أنواع اليقظة التي يجب أن تحلَّ بقلوب أبناء الحركة الإسلامية أن تكون همتهم متعلقة بالآخرة في العمل السياسي والإعلامي، وفي النقاشات والحوارات والمناظرات ، وفي تعاملهم مع المخالفين، وكذلك في إطار التعاون بين الحركات الإسلامية، وكم قرن الله –تبارك وتعالى- في كتابه بين الإيمان به والإيمان باليوم الآخر!.

وعليه تنقلب الموازين مِن موازين الدنيا إلى موازين الآخرة؛ فتنقلب الشاة التي تُصدق بها إلا كتفها إلى شاة باقية إلا كتفها؛ فعن عائشة –رضي الله عنها- أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَقِيَ مِنْهَا)، قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: (بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا).
فتظل الموازين هي موازين الشرع وموازين الآخرة، ولا تختلف مع الانخراط في ألوان أخرى مِن مستجدات العمل الإسلامي.

ومن أنواع اليقظة التي يجب أن تتمكَّن من قلوب أبناء الحركة الإسلامية: أن النصر يأتي بشيوخ كبار وهنت عظامهم وسكنوا بيوتهم يدعون الله –عز وجل-، ويأتي من نساء سَكَنَّ بيوتهنَّ وفي قلوبهن غيرة على الإسلام ورغبة في تحكيم شرع الله –تبارك وتعالى-.
فيجب أن نؤمن أننا إنما نُنصر بالعاجزين والضعفاء الذين لم يتلوثوا بالتقصير بعد المقدرة، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لمن ظنَّ أن له فضلاً عمن دونه بسبب مشاركته في الغزو: (إِنَّمَا يَنْصُرُ اللهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا؛ بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ).
فمصيبةٌ أن تتعلق قلوب أبناء الحركة الإسلامية بالأسباب المادية وحدها، وأن يغفلوا عن مِثل هذه الأسباب التي كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يفتأ يذكِّر أصحابه بها مهما بذلوا وعملوا.

ومن أنواع اليقظة التي يجب أن تسكن قلوب أبناء الحركة الإسلامية في هذه المرحلة بصفة خاصة: اليقظة إلى إنعام الله –عز وجل- عليهم برفع بلاء الاضطهاد والقهر، وإنعامه عليهم بأن استعملهم لخدمة دينه، والمَلِك يصطفي لخدمته.
فينبغي ألا تغفل القلوب عن نعم الله –عز وجل- على الحركة الإسلامية على تقصير كثيرٍ من أفرادها، وأن يعترف أفرادها بتقصيرهم في شكر هذه النعم، فيتحقق بذلك (أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي) في دعاء سيد الاستغفار كما سماه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
لقد ظل موسى –عليه السلام- يذكِّر بني إسرائيل بنعمة الله –عز وجل- عليهم بعد أن جاوز بهم البحر وأنجاهم من فرعون وعمله، (قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [الأعراف: 140-141].
فعلى القلوب ألا تغفل لحظة عن نعمة الله علينا بمجاوزة البحر، وإن كان بعد البحر مِن الاختبارات والابتلاءات الكثير؛ إلا أن شكر هذه النعم وشهودها بالقلب مِن أسباب الثبات ومن أسباب جلب المعونة في تجاوز ما يلي البحر مِن محن، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

ومن أنواع اليقظة التي يجب أن تستقر في القلوب: أن العدو الأعظم لبني آدم هو الشيطان، وكم حذَّرنا ربنا –تبارك وتعالى- منه في كتابه! قال تعالى: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:168].
فالعدو ليس فقط العدو البشري الذي يحارب شرع الله –عز وجل- ويريد أن يفصل الدين عن الدنيا والسماء عن الأرض؛ بل هناك عدو أكبر يجب أن تتيقظ قلوب أبناء الحركة الإسلامية له؛ إنه الشيطان الذي يسعى لأن يراءوا بأعمالهم فيجعلها الله هباءً منثورًا، ويجتهد في أن يروا أعمالهم بعين العُجب فيهلكون، ويعمل على استمالة قلوبهم إلى أهل الباطل وقد قال تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود:113].
إنه عدوٌّ يسعى لأن تغرق قلوب العاملين في طغيان الأسباب المادية فيقولون: لن نُغلب اليوم مِن قلة، وقد قال تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة: 52].. عدوٌّ بهذا الكيد والخبث ينبغي أن تتيقظ له القلوب.

في خضم هذا البحر المتلاطم.. على الإسلاميين أن يحذروا مِن غفلة قلوبهم؛ فإن الحركة الإسلامية تمر بمرحلة حرجة من تاريخ الأمة، وعلى أبنائها أن تتيقظ قلوبهم وتطرد عنها الغفلة وتسير في طريقها بربانية تستحق على أثرها الدعوات الصالحات من الأجيال القادمة.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top