الأحد، 31 مارس 2013

مُنى (قصة)

نشرت من طرف : Unknown  |  في  6:25 م


مُنى
(قصة)



أتلك دقَّات طبولٍ أم دقَّات قلبها الصغير؟! تهزُّها هزًّا.. تخشى أن يفضحَها قلبُها فيصل صوتُ دقاتِه المتسارعة إلى أبيها وأخيها.. وإلى ذاك الشاب الحييِّ الجالس أمامهما..

تراقب المشهد من خلف الستار.. أبوها يتكلم ويلوِّح بيديه كأنه نذير حرب، والشاب قد احمرت أذناه واخضرتا وهو يقاوم أمواج السيل الهادر المندفع من فم أبيها والمليء بأوصاف الشقة والمهر والشبكة والمقدم والمؤخر و.. و.. يحاول أن يستنشق الهواء لكنه يغرق تحت الأمواج العاتية!

كالعادة.. وكالمرة السابقة، وقبل السابقة، وقبل قبل السابقة، وقبل قبل قبل ......... ينصرف الشاب وتنطلق هي باكية إلى فراشها.. (صغيرة لا تعرف مصلحتها بعد) أبوها كالعادة متحدثًا خارج الغرفة..

مرت عشرة أعوام وما زالت (الصغيرةَ).. تزوَّجت قريناتها وما زالت (التي لا تعرف مصلحتها).. أنجبن وصرن أمهات وظلت هي هكذا: (الصغيرة التي لا تعرف مصلحتها)..

إن شئتَ تمثَّل بالدُّب الذي قتل صاحبَه وما شابهه من أمثال، لكن إياك أن تنسى أن تضيف إلى ما تمثَّلتَ به مأساة (مُنى) التي قتلتها مواصفات الشقة وأبعادها الرأسية والأفقية، والشبكة وشكلها ووزنها، والمهر ومقداره و.. و..، قتلتها بينما الدب يرى أنه يحفظ صاحبَه!

مع الأيام.. بدأ دقُّ الباب يخفُت، وأقدام الخطاب تقلُّ، وعاد كرسي الاعتراف الذي كان يجلس عليه الخُطَّاب أمام أبيها لا يجلس عليه غريب!

يومًا ما..
عندما تزوج أخوها اكتست بثوبٍ من السعادة أخفت تحته فزعًا من المستقبل.. العمر يمر.. أبوها وأمها يكبران.. وستبقى معهما وحيدة..

يومًا ما..
أمام المرآة.. مدت يدها لتمسك بشعيرات بِيض نبتت برأسها.. لقد مرت الأعوام.. أيقنت أنه قد كُتب عليها أن تظل هكذا وحيدة فداءً لرغبات أبيها..

يومًا ما..
(مُنى) ابنة أخيها الصغيرة.. سماها أخوها على اسمها.. كانت تبثها عاطفة الأمومة وكأنها ابنتها.. تزيِّنها وتمشِّط لها شعرها.. تأتي لها بالهدايا.. يسعد قلبها إذا سمعتها تنادي: عمتي.. تود أن لو نادتها: أمي، ولكنه حق امرأة أخرى لم يقتلها حرص الدب!

يومًا ما..
توفيت أمها.. وبعد أعوام توفي أبوها.. وبقيت وحيدة بين جدران البيت.. تنظر إلى كرسي الاعتراف وقد هرم، ثم تنظر إلى نفسها في المرآة وقد أكلتها الأعوام.. ترضى بقدرها وتترحم على أبيها!

يومًا ما..
يموت أخوها وزوجه في حادث، وتنجو (منى) الصغيرة المفجوعة في والديها.. بكت عليه كثيرًا.. وآوت (منى) الصغيرة إلى بيت عمتها..
كابنتها كانت تعاملها.. أفاضت عليها كل المشاعر التي يمكن أن يحويها قلب أنثى: حبها لوالديها.. حبها لزوجها ذلك الذي طالما انتظرته.. حبها لأولادها.. هؤلاء الذين كانت تتخيلهم بأشكالهم وأسمائهم..

مرت الأعوام.. صارت (منى) الصغيرة جزءًا من (منى) الكبيرة.. إلى أن جاء اليوم الذي دقَّ فيه الباب..

شاب حيي جاء ليجلس على نفس الكرسي، ولكن هذه المرة لـ(منى) الصغيرة..

يجلس الشاب مع عمة العروس؛ فأبوها وأمها متوفيان، وعمتها في مقام أمها كما علم..

وقفت (منى) الصغيرة خلف الستار الشاهد على دقات قلب عذراء أخرى مكانها منذ عقود.. ترى عمتها وهي تلوح بيديها كنذير حرب، والشاب ينكس رأسه وهو يسمع ميزانية الدولة التي تُملى عليه!

مرات عديدة غادر فيها فرسان أحلام (منى) الصغيرة بخيولهم جريحة بسهام عمتها ورماحها الماضية!

ويومًا ما:
نطقت: (لماذا يا عمتى؟! لماذا تفعلين في ذلك؟!).. 
احتد الحوار بينهما طويلاً لتختمه العمَّة (منى) بحسم:
(يا منى.. أنت صغيرة لا تعرفين مصلحتك!)..
قالتها.. شعرت كأن روحًا ما تُحلِّق في المنزل!

* * *
(إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)
حديث شريف

التسميات : ,

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top