يُحكى أن حمارًا رأى ثورًا، فأعجبه قرناه، فخرج يلتمس قرنين في الغابة غافلاً عن أذنيه الكبيرتين اللتين يمتاز بهما عن الثور!
إن كثيرًا من العاملين في الحقل الدعوي قد يغفلون عما خصَّهم الله به من خصائص ومواهب يمكنهم أن يوظفوها في خدمة دين الله -تبارك وتعالى-، ثم لا يرون خدمة الدين إلا من خلال ثقب ضيق لا يُرى من خلاله سوى بعض الوسائل التي ربما لا يملكون الخصائص المؤهلة لها،
فيخرجون ملتمسين إياها غافلين عن قدراتهم الشخصية التي قد تبلِّغهم منازل الرضا عند الله -عز وجل- إن وفقَّهم الله لاستخدامها.
ولعل من أهم أسباب هذه الآفة:
- عدم تحقق النظرة الشاملة للإسلام، ومن ثَمَّ النظرة الشاملة الواسعة للعمل لخدمة الدين.
- استحضار صورة ذهنية معينة لخدمة الدين (خطيب – مؤلف – محاضر .....)، وسببه في الأغلب: التربية القاصرة، وعدم توفر النماذج التي يُقتدى بها في المجالات المتنوعة.
- الانفتاح الدعوي الذي أعقب فترة عصيبة من الاضطهاد الأمني، وما تبعه من آفاق جديدة للدعوة، مع الرغبة الصادقة في خدمة الدين دون خطة واضحة الملامح على المستوى الشخصي للأفراد.
ولعل من أهم ما يفيد في علاج هذه الآفة:
-استيعاب مفهوم: أن كلاً ميسر لما خلق له، وأن الله وزع الإمكانات والمواهب على الخلق من ضمن توزيع الرزق على عباده.
-الاهتمام بتحديد نقاط القوة التي أنعم الله بها على المرء والتي يمكنه خدمة الدين من خلالها.
- استيعاب أن من الصحابة من تميَّز بالجهاد، ومنهم من برز في العلم، وغيرهم في العبادة، وغيرهم في الشعر، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اهتم بتوجيه كثير من أصحابه إلى نقاط قوتهم؛ فخدموا الإسلام من خلالها، فنشأ المجتمع الإسلامي متكاملاً متوازنًا.
-تحقيق التوازن بين تحقيق الحد الأدنى من سائر أعمال البر –خاصة الدعوية منها- من ناحية، والتركيز على نقاط القوة بتنميتها وتوظيفها من ناحية أخرى؛ توازنٌ بين إفراط يُشغل الفرد عن الواجبات الشرعية والواقعية، وتفريط يُهدر معه الفرد إمكاناته الشخصية.
أما إن وقع المرء أسر الغشاوة التي تحجب عنه نقاط قوته التي وهبه الله إياها مع التفاته إلى غيرها؛ فإن نقاط قوته تهرم بمرور الأيام وقد تموت مع الزمن، ويصير حاله كهذا الحمار الذي خرج إلى الغابة يبتغي قرنين، فرجع بلا أذنين!
محمد مصطفى عبد المجيد
[جريدة الفتح - عدد 61 - 21-12-2012]
0 التعليقات: