ثلاث لوحات
لوحات كثيرة نمرُّ أمامها في مَعْرَض الحياة الكبير، نمرُّ ويمرُّ غيرنا، ولكننا كثيرًا ما نمرُّ سريعًا دون أن نتوقف ونتأمل.. ونتذوَّق!
ومن بين تلك اللوحات ثلاث لوحات انتقيتُها مِن على جدار الحياة، تراها الآن مرسومة بين يديك، فتأملها، ثم أغمض عينيك بعد كل منها لتبحر فيما وراءها.
اللوحة الأولى: الزمان: بعد سنوات من الهجرة النبوية - المكان: بيت النبي –صلى الله عليه وسلم-.
المشهد: ذُبحت شاةٌ، وتُصدق بكل الشاة إلا كتفها، وعائشة أم المؤمنين تقول للنبي –صلى الله عليه وسلم-: "ما بقي منها إلا كتفها"، فيقول لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: "بقي كلها غير كتفها".
ما وراء اللوحة: إن أم المؤمنين –رضي الله عنها- ذكرت الأمر المحسوس؛ وهو أنه لم يتبقَّ بين يديها من الشاة إلا الكتف، ولكن النبي –صلى الله عليه وسلم- ردَّها إلى ميزان آخر غير هذا الميزان الذي يزن به أهل الدنيا؛ ألا وهو ميزان الآخرة؛ فإن تلك الشاة المتصدَّق بها -إلا كتفها- هي الباقية في الميزان عند الله -عز وجل-، أما الكتف فإنه سيؤكل ويُهضم، ومآله إلى فناء..
ما أحوجنا إلى هذا الميزان لا في الشاة والطعام والشراب فقط؛ بل في كل شأن من شئون حياتنا!
اللوحة الثانية: التاريخ: عام 560هـ - المكان: حصار بانباس.
المشهد: نصر الدين زنكي أخو نور الدين محمود زنكي يضع كفه على إحدى عينيه وقد أصيبت بسهم في المعركة ففُقِئت، ويقف أمامه أخوه القائد الفذّ نور الدين محمود وصوته يتردد في الأفق: "لو كُشف لك من الأجر الذي أُعد لك لتمنيت ذهاب الأخرى"!
ما وراء اللوحة: نحتاج أن نغيِّر موازين كثيرة في حياتنا لنرى الأمور بعين الآخرة لا الدنيا، ونزن ما حولنا بمقياس الحقيقة، هذا الميزان الذي يهوِّن على الإنسان كثيرًا تلك المشقة التي يواجهها في الدنيا، ويُصبِّره على ما ينزل به من بلاء، ويدفعه دفعًا إلى المزيد من العمل والبذل والعطاء والتضحية دون أن يستعظم ما قدَّم أو يمنَّ بما عمل.
هذا الميزان.. لو استقر في قلوب العاملين لدين الله لتغير وجه الدنيا!
اللوحة الثالثة: مسك الختام بنور من الوحي: (زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب، قل أؤنبؤكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد).
ما وراء اللوحة: كان الختام بهذه الآية لتكون آخر ما تنقشه في قلبك؛ حتى تكون ميزانك في الحياة:
متاع الدنيا بأنواعه = زينة.. إذا اقتربت منها ودقَّقت فيها ووزنتها بميزان الحقيقة وجدتها قشرة خادعة.. ثم الحقيقة الباقية = (والله عنده حسن المآب).
اقرأ الآية مرة أخرى بقلبك.. أغمض عينيك وتأمَّل.. اعقد العزم على أن تغير موازينك في الحياة.. نعم ستغيِّر.
محمد مصطفى عبد المجيد
[جريدة الفتح - عدد 30 – 18/5/2012]
شٌكرًا :)
ردحذفمرور كريم :)
حذف