الأحد، 31 مارس 2013

بين المرغوب والممكن

نشرت من طرف : Unknown  |  في  5:56 م


بين المرغوب والممكن


يُحكى أن فأرة رأت جَمَلاً فأعجبها، فأخذت بخطامه وساقته إلى بيتها، فتبعها، فلما وصلت به إلى باب دارها وقف الجملُ ينظر متعجبًا، وقال: يا فأرة! إما أن تتخذي دارًا يليق بمحبوبك، وإما أن تتخذي محبوبًا يليق بدارك!

كثيرًا ما نعاني –مثل تلك الفأرة!- مِن أزمة الخلط بين المرغوب والممكن، أو بين ما نريد أن نفعل وما نستطيع أن نفعل.

وتتوغل هذه الأزمة في كثير من أعمالنا الدعوية، فتجد التوجه نحو المرغوب بصورته الكاملة دون إعداد أو قياس للطاقات والاحتياجات، ويستمر التوغل في توسُّعات أفقية دون التفات إلى قدراتنا الحقيقية وإمكانياتنا على أرض الواقع.

وللأسف.. لا يمر طويلُ وقتٍ حتى نجد أنفسنا أمام هذه المعضلة: أن العمل يفوق قدراتنا، وأننا لم نتأهل بعدُ له! وقد ننخدع بوصولنا إلى "هدف" وليس "الهدف"؛ فالهدف الذي قد نصل إليه هدف آخر غير الذي كُنَّا نقصدُه، وتدور الرَّحى كما هي! وكم من هِمَّة سامية حطَّها جَدٌّ هزيل:

(همةٌ تنطح النجوم، وجَدٌّ .. آلِفٌ للحضيضِ فهو حضيضُ).

ولا يلزم أنَّ يكمن الحل في اتخاذ محبوبٍ يليق بالدار والرضا به –وهو الخيار الثاني الذي أشار به الجمل على الفأرة!-؛ بل إنَّ مَن عَلت همته ورغب في مزيد من التوسع والإنجاز عليه أولاً أن يقيس قدراته، وأن يعلم أن أولى خطوات تحقيق هذا الهدف الكبير والحُلم الجميل -بعد الاستعانة بالله عز وجل- السعي لاتخاذ الدار الأوسع، أي: تطوير المُعطيات ورفع الكفاءات، فلا يصلح خوض معركة دون إعداد عُدَّة، وقد قال الله -تعالى-: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)، ولابد من بذل الجهد في ذلك، وعدم استثقال العمل في رمي أساس البناء الذي يكون عادةً تحت مستوى النظر، ويتطلب جهدًا، وقد لا يشعر به أحد، وقد لا تبدو ثمراته عاجلة.. لا ينبغي أن يُستثقل ذلك أو يُتكاسل عنه؛ فالفشل هو الشيء الوحيد الذي يستطيع الانسان أن يحققه دون أي مجهود!

ثُم لا تعارض بين الانشغال بالإعداد والتخطيط وتطوير العُدة والكفاءات، وأن يسير هذا الإعداد بالتوازي مع الأعمال التي تناسب الطاقة والإمكانات، لكن لا مفر –على أي الأحوال- من العناية به؛ حتى لا يأتي التوسع الأفقي على حساب التنمية الرأسية، فلا نجني ثمرة سوى النتيجة الصِّفريَّة: لا توسعًا أدركنا، ولا عملاً أحسنَّا!

أيها العاملون في حقل الدعوة.. ليس من الخطأ أن نتقدم ببطء، إنما الخطأ كل الخطأ في أن نظل ثابتين أماكننا دون أن نتقدم، والخطأ الأكبر أن نتوهم أننا ننطلق نحو الهدف ونحن في واقع الأمر "محلك سِرْ"!

محمد مصطفى عبد المجيد
[جريدة الفتح - عدد 28 - 4/5/2012]

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top