الأحد، 31 مارس 2013

السطر الثالث !

نشرت من طرف : Unknown  |  في  5:38 م


السطر الثالث !
(قصة)



[ قبل أن تقرأ: هذه القصة طويلة ومملة وقد لا تفيدك بشيء!! ولكن أظن أن عشَّاق الكتب سيتلذذون بها :) ]


"هذا الولد غريب الأطوار.. مجنون.. معقَّد نفسيًّا".. لا جديد؛ كثيرًا ما يتهامسون بهذه الأوصاف ناصحين أباه أو أمه، ثم يتبسَّمون في وجهه ابتسامة صفراء كأنهم لم يكونوا يقطعون في "فروته" منذ قليل! يبتسم هو أيضًا نفس الابتسامة الصفراء التي تعلمها منهم!

"ستعمى عيناه.. سوف يضعف بصره.. سوف يحدودب ظهره".. أوف، وأيُّ أوف! لماذا يتكالبون عليَّ وكأنني عدو استراتيجي يهدِّد منطقة الشرق الأوسط؟!

كان عاشقًا للقراءة منذ صغره، لا يجد متعته إلا في الكتاب، وبالطبع كان البعض يعتبر هذه حالة مرضيَّة لانصرافه عن لعب الكرة الشراب أو بالعبوات الفارغة في الشارع، والعودة كل يوم بشق في الرأس يحتاج إلى بضع غُرَز كابن الجيران، أو على الأقل خناقة مع أحد أولاد الشارع!

هذا النموذج المشجوج هو الطفل الطبيعي السوي الرائع في نظر ناصحي والديه بالتأكيد!

كم ملَّ من هؤلاء المتطفلين الذين لا يدرون ماذا يمثِّل الكتاب بالنسبة إليه!

مرت الأعوام وحبُّه للقراءة يزداد، ولذته بالكتاب تزداد، وكلما كبُر كلما كبُر ما يقرأ.. تفوَّق -بلا شكَّ- على أقرانه، وتميَّز عنهم في حديثه بثقافته الواسعة، واستطاع بالضربة القاضية أن يصرع أعداء القراءة الذي كانوا يوسوسون لوالديه.. أو هكذا ظنَّ!

تخرج من الجامعة، وبحث عن عمل.. تزوج وأنجب.. و..

[هل صارت القصة مملَّة؟ : )
إذن دعني أقلب الأوراق سريعًا حتى أصل إلى....... نعم؛ هذه اللحظة..].

في وقت الفراغ في عمله يبدأ زملاؤه في تبادل النكات السخيفة، ويجامل بعضهم بعضهم بضحكات ساقطة مع تبادل ضربات الأكف القادمة من أعلى لتفرقع في يد المنكِّت السخيف!

كان يعتزلهم ويخرج كتابه ليقرأ فيه..

- ماذا تفعل؟

كائن طحلبي يتطفل عليه.. كم يكره هذه الطفيليات.. تبسَّم تلك الابتسامة الصفراء متجاوزًا هذا السؤال الذي لا معنى له وإلا فإن الممسك بكتاب ناظرًا فيه بالتأكيد لا يلعب التنس أو "يقمِّع" بامية!

- أقرأ!

نظر إليه صاحبه نظرة تعجُّب، وانصرف عنه لمواصلة الاستماع إلى النكات السخيفة..

أين كنت؟ أخذ يبحث عن الفقرة التي توقف عندها حتى وصل إليها وشرع في القراءة..
سطر.. سطران.. ثلاثة..

- ما اسم هذا الكتاب؟

رفع عينيه ونظر إلى السائل.. كائن طفيلي آخر.. أعطاه نصيبه من الابتسامات الصفراء وأجابه، ويبدو أن الكائن لم يعبأ بعنوان الكتاب أو لم يسمعه منه أصلاً فقد التفت عنه بعد أن ذكر أول كلمة من عنوان الكتاب، وكأنه يتلذذ بمقاطعته وحسب!

عاد مرة أخرى.. أين كنت أين كنت؟ نعم هنا.. واصل القراءة..

سطر.. سطرين.. ثلاثة..

- هل علمت ما حدث لابن المدير؟

تبًّا لكم! أغلق الكتاب مستسلمًا بعد هذه الجولات ورفع عينيه سائلاً ببلاهة:

- ماذا حدث لابن المدير؟

في الليل.. أدى صلاة العشاء، وارتدى البيجامة، وأعد كوبًا من الشاي، وأمسك الكتاب.. أخذ يبحث عن العلامة.. لم يضع العلامة حيث وقف! أخذ يحاول أن يتذكر أين توقف.. أخذ يقلب أوراق الكتاب وكله سخط على متطفلي العمل حتى تمكن من الوصول إلى الصفحة، وبدأ في القراءة..

سطر.. سطران.. ثلاثة..

- ما أخبار العمل اليوم؟

شيء منطقي جدًّا أن يقطع أحد قراءته في كل مكان على وجه الكرة الأرضية! التفت إلى زوجته مبتسمًا وقال:

- الحمد لله.

ثم عاد مرة أخرى للكتاب.. سطر.. سطران.. ثلاثة..

- أكيد الحمد لله، لكن أنا أطمئن!

شيء عظيم أن تجد من يريد أن يطمئن عليك ولكن ليس في هذا الوقت!

- لا جديد.

عاد إلى الكتاب مرة أخرى..

بدأ يقرأ، ولكن هذه المرة كان متحفزًا للمقاطعة القادمة، وبعد سطرين وفي الثالث وجد ابنه يدخل عليه باكيًا:

- وااء.. بابا! أختي ضربتني!

- اذهب إلى ماما!

- ماما قالت لي: اذهب إلى بابا!

- قل لها: بابا قال لي: اذهب إلى ماما!

عاد إلى الكتاب مرة أخرى متحفزًا، وبدأ يعدُّ الأسطر.. واحد.. اثنان.. ثلاثة.. ثم مقاطعة!

انتبه لأول مرة لهذا الأمر.. إنهم يقاطعونني في السطر الثالث دومًا!

في عمله في اليوم التالي وفي وقت الراحة فتح الكتاب، كانت عيناه تمر فقط على الأسطر دون أن يعي منها شيئًا؛ فقد ارتبط ذهنه بوقت المقاطعة ووجدها دائمًا في السطر الثالث!

وعندما عاد إلى بيته أكمل الكتاب.. لا يذكر أنه اهتم بمضمون الكتاب؛ فقد كان كل تركيزه منصبًا على موعد المقاطعة عند السطر الثالث!

أنهى الكتاب خلال أيام.. لا يذكر شيئًا مما فيه، ولم يخرج منه إلا شعور بأن هناك سرًّا في السطر الثالث لا يعلمه!

مرت الأيام.. قرأ كُتبًا أخرى وكأنه لم يقرأها.. في كل مكان يقاطعونه.. يتطفلون عليه.. عند السطر الثالث.

بمرور الوقت صار إذا فتح الكتاب وكأنه يرى خطًا أسود مع كل ثلاثة سطور: سطر – سطر – خط أسود – سطر – سطر – خط أسود ...

كل ما قرأه لا يذكر منه شيئًا.. وإذا فتح الكتاب وقرأ سطرين بدأ يتمهَّل في الثالث بصورة تلقائية منتظرًا المقاطعة، وإن لم تحدث توقف وكأنها جرعة مخدِّرات لا غنى له عنها!

ينظر إلى مكتبته وكتبه التي قرأها في صغره حيث لم تكن تفصل بين سطورها تلك السطور الثالثة السوداء.. تمنى أن تعود الكتب كما كانت.. هل يتمنى، أم أنه تكيَّف بل صار يتلذذ بانتظار لحظة المقاطعة!

ظل ذاك الهذيان -إحم! تلك الملاحظة العظيمة- حبيسة صدره إلى أن قرَّر ذات مرة أن يبوح بها لزوجته:

- هناك سر في السطر الثالث! الكل يقاطعونني عنده!

نظرت إليه نظرة ريبة.. ظنته يمزح في البداية، ولكن بمرور الأيام بدأت تشعر أنه.. مجنون!

حكى لبعض أصدقائه هذا السر الخطير.. لا يعلم لماذا أعرضوا عنه بمرور الأيام حتى صار لا يجد مَن يقاطعه عند السطر الثالث!

صار ينزل إلى الشوارع ويركب المواصلات العامة ويفتح الكتاب حتى يتلذَّذ بالمقاطعة عند السطر الثالث بعد أن تجنبه المقاطعون الأقربون!

ذات يوم أخبرته زوجته أنهما مدعوان على العشاء عند إحدى صديقاتها، وسيكون زوجها في استقباله، ذهب معها.. لم يكن يعلم أنه فخٌّ، وأن من ادَّعت أنه زوج صديقتها كان طبيبًا نفسيًّا!

- حالته خطيرة! إن تطورت الحالة قد نضطر أن نحجزه في المستشفى!

لم يعلم بذلك.. كان يتذكر لحظات القراءة الصافية في طفولته وشبابه وحبه للقراءة قبل أن يحل عليه شبح السطر الثالث.. يريد أن يتحرَّر منه.. يتمنى أن يعود للكتاب كما كان من قبل.. هم الآن لا يقاطعونه، ولكن بعد ماذا؟! بعد أن تلبس به ذاك العفريت!

قد تنتهي قصته بأنه صار يمشي في الشوارع لا يرى كتابًا عند بائعي الكتب إلا أمسكه وأخذ يشطب على السطور الثالثة فيه!

وقد تنتهي بأنه جُن وحُجز في مستشفى المجانين وقام أبناؤه ببيع كتبه لبائعي اللب والسوداني!

وقد تنتهي بأنه فقد الذاكرة وصار أميًّا لا يعي معنى الحروف!

المهم أن الجميع عادوا يقولون عنه مجنونًا كما كانوا يقولون عنه في صغره!

"فرغت حدوتنا الخيالية" وخلصنا منها بهذه الرسالة الإنسانية الجميلة:
لا تقاطع أحدًا وهو يقرأ حتى لا يُجن : ) !

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top