قاعدة الهرم
اختلفت نظريات الحركات الإسلامية في آلية تغيير الهرم المجتمعي، فمنهم من رأى أن التغيير لا يكون إلا من قمة الهرم، ثم تنوعت وسائل هذا الفريق؛ فمنهم مَن سلك المسلك السياسي للتغيير من قمة الهرم، ومنهم مَن سلك مسلك العنف كما هو معلوم.
وتبنَّت الدعوة السلفية قاعدة التغيير من أسفل الهرم على ضوء الآية الكريمة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وعلى ضوء سنن الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- الذي بدأ بتربية أصحابه على معاني التوحيد والإيمان، وعمل على ترسيخ العقيدة علمًا وعملاً، فكانت تلك هي نقطة البداية للتغيير الذي عمَّ الأرض بفضل الله.
وتجلَّت هذه المعاني في أدبيات عدَّة للدعوة السلفية منذ نشأتها، وافقها مَن وافقها، واعترض عليها وواجها بالرد والنقد مَن اعترض عليها، إلا أنها ظلَّت قاعدة وملمحًا واضحًا للدعوة السلفية في أربعة عقود متتالية.
ومع انفجار ثورة 25 يناير والإطاحة برأس الهرم شاركت الدعوة السلفية لتحتل جزءًا من المشهد السياسي، ومع مرور الأحداث بدت الرؤية ضبابية عند البعض: هل يمكن بالفعل أن يبدأ التغيير من قمة الهرم؟ وهل أخطأنا عندما كنا نقرِّر أن التغيير لا يأتي إلا من القاعدة؟ وهل المشاركة في المشهد السياسي تعني التنازل عن هذا المبدأ؟
دعنا أولاً نوصِّف الواقع؛ فمع الإيمان بأن تغيير الأمم لا يأتي إلا بتغيير قاعدة الهرم إلا أن ما حدث أنه أثناء العمل على تغيير القاعدة بالدعوة إلى الله وتصحيح المفاهيم والتربية على التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- أُطيح برأس الهرم، ووجد هؤلاء المؤمنون بهذه السنة الكونية في التغيير أنفسَهم على رأس الهرم، فكان لابد من المشاركة في المشهد بالمشاركة في العمل السياسي.
ولكن: هل تغيَّرت نظرية التغيير من قاعدة الهرم؟ لا شك أن البعض ربما غفل عن نظرية التغيير مع تلاحق الأحداث، وربما قد راوده الشك في صحتها، إلا أن الأحداث تثبت أن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا من أسفل، وإلا فلا تتعجب أن يذهب الناس إلى جلاديهم مرة أخرى إذا ما أُتيح لهم الاختيار، بل ربما إذا جاء مَن يحكم فيهم بالعدل والشرع اعترضوا عليه وثاروا؛ لأن النفوس هي هي لم تتغير.
إن سريان التغيير من قمة الهرم إلى قاعدته ضعيف التأثير في تغيير النفس الإنسانية التي هي وحدة بناء المجتمع، وإن كان لازمًا بعد أن وجدنا أنفسنا بأعلاه، ولأنه لا ينبغي أن تُترك فرصة أُتيحت للتغيير من أعلى ولو كان ذاك التغيير جزئيًا، لكن يجب التسليم بأن التغيير الحقيقي إنما يحدث بالتربية والدعوة وتصحيح المفاهيم من القاعدة، والتي يسري منها التغيير إلى أعلاه إذا ما أخلصنا لله واستعنَّا به -سبحانه وتعالى-.
فحتى نضع الأمور في نصابها:
- على كل المخلصين المؤمنين بأن لهم دورًا وأن عليهم عبئًا في إنقاذ هذه الأمة أن ينتبهوا إلى أن مهمتهم الأساسية هي تغيير الناس ودعوتهم إلى الله حتى يغيِّر الله ما بنا.
- العمل السياسي بابٌ من الأبواب، جزى الله مَن سعى فيه ليسد هذا العجز وليمثِّل أحد الحصون التي تحمي جنود معركة التغيير من القاعدة. تنفر إليه طائفة من الناس، لكن لا ينفر إليه الجميع.
- على الدعاة والمربين أن يستشعروا حجم مسئوليتهم، وأن تغيير النفوس الذي نعقد عليه الآمال هو أمانة في أعناقهم، فعليهم ألا يتولوا عنها، (وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
محمد مصطفى عبد المجيد
[جريدة الفتح - عدد 32 – 1/6/2012]
0 التعليقات: