يا أبطال غزة ..
القبر الذي يُحفر بالسيف لا يكون حفرة من حفر النار
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد ..
فهذه كلمات سطرها أديب العربية مصطفى لطفي المنفلوطي في نظراته تحت عنوان ( خطبة الحرب ) ، أعملتُ فيها مقصَّ التهذيب والاختصار ؛ لتلائم أن أهديَها لأسيادي من أباة الضيم من أبطالنا المجاهدين في غزة الأبية ..
*****
يا أبطال برقة وليوث طرابلس وحماة الثغور وذادة المعاقل والحصون , صبرًا قليلاً في مجال الموت ؛ فهاهي نجمة النصر تخفق في آفاق السماء , فاستنيروا بنورها ، واهتدوا بهديها , حتى يفتح الله عليكم.
*****
إن الله وعدكم النصر ووعدتموه الصبر ، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده .
*****
لا تحدِّثوا أنفسكم بالفرار ؛ فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عرض لا يجد له حاميًا ، ودين يشكو إلى الله قومًا أضاعوه ، وأنصارًا خذلوه.
*****
إنكم لا تحاربون رجالاً أشداء ، بل أشباحًا تتراءى في ظلال الأساطيل ، وخيالات تلوذ بأكناف الأسوار والجدران ، فاحملوا عليهم حملة صادقة تطير بما بقي من ألبابهم , فلا يجدون لبنادقهم كفًّا ، ولأسيافهم ساعدًا .
*****
إنهم يطلبون الحياة وأنتم تطلبون الموت ، ويطلبون القوت وتطلبون الشرف ، ويطلبون غنيمة يملئون بها فراغ بطونهم وتطلبون جنة عرضها السموات والأرض ، فلا تجزعوا من لقائهم ؛ فالموت لا يكون مر المذاق في أفواه المؤمنين .
*****
إنكم تعتمدون على الله ، وتثقون بعدله ورحمته ، فتقدَّموا إلى الموت غير شاكين ولا مرتابين ؛ فما كان الله ليخذلكم ويكِلكم إلى أنفسكم وأنتم من القوم الصادقين .
*****
إن هذه القطرات من الدماء التي تسيل من أجسامكم ستستحيل إلى شهب نارية حمراء تهوي فوق رءوس أعدائكم فتحرقهم ، وإن هذه الأنات المترددة في صدوركم ليست إلا أنفاس الدعاء صاعدة إلى إله السماء أن يأخذ لكم بحقكم ويُعديكم على عدوكم ، والله سميع الدعاء .
*****
إن أعداءكم قتلوا أطفالكم ، وبقروا بطون نسائكم ، وأخذوا بلحى شيوخكم الأجلاء فساقوهم إلى حفائر الموت سوقًا , فماذا تنتظرون بأنفسكم ؟!
*****
أجلبوا عليهم بخيلكم ورجلكم , واصدقوا حملتكم عليهم ، وجعجعوا بهم ، واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، واطلبوهم بكل سبيل وتحت كل أرض وفوق كل سماء , وأزعجوهم حتى عن طعامهم وشرابهم ويقظتهم ومنامهم , فما أعذب الموت في سبيل تنغيص الظالمين .
*****
احفروا لأنفسكم بسيوفكم قبورًا ، فالقبر الذي يحفر بالسيف لا يكون حفرة من حفر النار .
*****
لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين ، ولا الواسطة بين الطرفين ، ولا العيش الذي هو بالموت أشبه منه بالحياة ، بل اطلبوا إما الحياة أبدًا وإما الموت أبدًا .
*****
غدًا يخفر أعداؤكم حرمة أرضكم ودياركم , ويملكون عليكم نساءكم وأولادكم , ويطئون بحوافر خيولهم مساجدكم ومعابدكم , وينظمون في ثقوب آنافكم مقاود يقودونكم بها إلى مواقف الذل والهوان كما تُقاد الإبل المخشوشة إلى معاطنها , فافتدوا أنفسكم من هذا المصير المهين بجولة تجولونها في سبيل الله ، ثم تموتون موت الجبان في حياته وحياة الشجاع في موته , فموتوا لتعيشوا ؛ فوالله ما عاش ذليل ولا مات كريم .
*****
إن هذه الأساطيل الرابضة على شواطئكم ، والمدافع الفاغرة أفواهها إليكم ، والبنادق المسددة إلى صدوركم ونحوركم لا يمكن أن يتألف منها سور منيع يعترض سبيلكم في رحلتكم من هذه الدار إلى تلك الدار ، فسيروا في طريقكم إلى آخرتكم ؛ فإن الأعداء إن ملكوا عليكم طريق الحياة لا يملكون عليكم طريق الموت.
*****
المستميت لا يموت ، والمستقتل لا يقتل ، ومن يهلك في الإدبار أكثر ممن يهلك في الإقدام ، فإن كنتم لابد تطلبون الحياة فانتزعوها من بين ماضغي الموت .
*****
إن كتّاب التاريخ قد علقوا أقلامهم بين أناملهم , ووضعوا صحائفهم بين أيديهم ، وانتظروا ماذا تملون عليهم من حسنات أو سيئات ، فأملوا عليهم من أعمالكم ما يترك في نفوسهم مثل ذلك الأثر الذي تجدونه في نفوسكم عندما تقرءون تلك الصحائف البيضاء التي سجلها التاريخ لأولئك الأبطال العظماء .
*****
موتوا اليوم أعزاء قبل أن تموتوا غدًا أذلاء .
موتوا قبل أن تطلبوا الموت فيعوزكم , وتنشدوه فيعجزكم .
موتوا اليوم شهداء في ساحة الحرب ؛ تكفنكم ثيابكم , وتغسلكم دماؤكم , وتصل عليكم ملائكة الرحمن .
*****
اللهم إنا نسألك شهادةً في سبيلك
مقبلين غير مدبرين
0 التعليقات: