الأحد، 31 مارس 2013

تحرَّر.. انطلق

نشرت من طرف : Unknown  |  في  5:57 م


تحرَّر.. انطلق

وقف مستعدًا للسباق منتظرًا صفارة الانطلاق، كُلُّه أملٌ بالفوز بالمركز الأول، بل تحطيم كل الأرقام القياسية.. انطلقت صفارة البدء، وانطلق كل المتسابقين سواه كالسهام، ولكنه لم يتحرك خطوة.. انتبه للتوِّ فقط أنه مكبَّل اليدين والرجلين!

عجيبٌ أن تكون غايةُ المرء أن يكون في الصفوف الأولى، ثم لا يتخلص مِن تلك القيود والأغلال التي تعوقه عن الحركة والانطلاق، وأن تكون همةُ الإنسانِ ساميةً حالمةً بينما القلب والبدن خلف الأسوار!

إن القلب الذي يريد أن ينطلق في سباق المقرَّبين الذين أخبر الله –عز وجل- عنهم وعن منزلتهم في قوله: (والسابقون السابقون، أولئك المقرَّبون) يجب أن يكون حرًا طليقًا غير مكبَّل ولا مأسور حتى يستطيع أن ينطلق كما يحلُم، والإنسان الذي تناطح همته السحاب في خدمة دينه وأمته يجب ألا يكون حبيس قيدٍ يقف حائلاً بينه وبين غايته العظمى.

وإن مِن أخطر تلك القيود: التعلُّق بالدنيا ولذاتها وقشرتها الزائفة التي ينخدع بها كثيرٌ من بني آدم، ويتوقفون عندها طويلاً، فتأسرهم وتُحكم أغلالها على معاصمهم.. فأنَّى ينطلقون؟!

ومِن تلك القيود أيضًا: أن يتعلق القلب بمعصية لله –عز وجل-، فالمعصية تُغمض عين البصيرة، وتُطفئ مصباح الهمة المتَّقِد، ومن عقوبة المعصية عدم التوفيق إلى الخير والطاعة، وقد قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، فمن أراد أن ينطلق في ركب السابقين عليه أن يتحرر من قيود المعاصي.

وهناك قيود أخرى كثيرة قد نصنعها نحن بأنفسنا لأنفسنا، وننسج خيوطها بأيدينا لأيدينا، ثم نتعامل معها وكأنها مِن المسلَّمات، وبمرور الزمان قد ننسى أننا مَن صنعها أوَّل مرة، وهي في حقيقتها لا تمثِّل إلا عائقًا نحو الانطلاق في هذا السباق الشريف، فعلينا أن نقف معها، وأن نراجع ما ظنناه مِن المسلَّمات، وهو في حقيقته قيدٌ وأيُّ قيدٍ.

إن العمر واحد، ولا مجال للرجوع إلى الدنيا بعد الموت لاستدارك ما فات؛ قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يُبعثون)، ولا معنى لأن يَضيع عمر الإنسان مشتتًا ممزقًا تحت أنياب تلك "الشيزوفرينيا" الحادة: يحمل في قلبه همةً عالية لكنها حبيسة أسوارٍ يستطيع أن يتخلص منها بنفسه ولا يفعل!

يا صاحب الهمة السامية.. تحرَّر وانطلق، واقرأ معي تلك الكلمات للمبدع الإمام ابن الجوزي –رحمه الله-: "النعيم لا يُدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة؛ فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، صبر ساعة خيرٌ من عذاب الأبد، وإذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً".

نعم.. إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً.

محمد مصطفى عبد المجيد

[جريدة الفتح - عدد 29 - 11/5/2012]

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top