الأحد، 31 مارس 2013

قطعة الفحم المتوهجة

نشرت من طرف : Unknown  |  في  6:06 م


قطعة الفحم المتوهجة

إذا اتفقنا أن نقطة انطلاق التغيير الجذري الحقيقي هي مِن قاعدة هرم المجتمع؛ فإن مفتاح هذا التغيير أفراد متميزون مؤثِّرون يسيرون بالتغيير في قاعدة المجتمع فيؤثِّرون فيمن حولهم.

وأنت إذا أردت إشعال مجموعة قطع من الفحم فإنك تضع بينها فحمة متوهِّجة مشتعلة غاية الاشتعال، ثم تبدأ في تحريك الهواء بشدة لينتقل التوهُّج إلى سائر الفحم، أما إذا كانت القطعة غير مشتعلة أو ضعيفة التوهُّج فإنها لا تؤثر فيما حولها.

هذه القطع المشتعلة المتوهِّجة هي أوتاد التغيير، تلك الأوتاد التي لا تُعد من خلال محاضرة عابرة، أو موعظة يتيمة، أو مقالة في جريدة، أو كتاب من هنا أو من هناك؛ فكل هذه الأمور -إذا ظلَّت مستقلة بذاتها دون أن تدخل في منظومة متناسقة- لا تُحدث سوى تغييرٍ لحظيٍّ، لا يؤثر في الشخص نفسه لمدة طويلة فضلاً عن أن يجعله مؤثِّرًا في غيره، وإنما يأتي التغيير الدائم من خلال التربية الحقيقية الفعَّالة التي يعرِّفها علماء التربية بأنها: "إحداث تغيير في السلوك"، وهذا التغيير في السلوك لا يتحقق إلا إذا كان دائمًا لا وقتيًّا.

ومثال ذلك: الذي يحافظ على المرافق العامة بعد سماعه لنصيحة في المسئولية الشخصية أو موعظة فيها ترهيب من إتلاف الأموال العامة، ويصاحبه هذا السلوك لمدة يوم أو يومين، ثم يعود إلى حاله مرة أخرى لا يمكن أن يُقال عنه أنه تربَّى على الحفاظ على الأموال العامة، لأنه لم يتحقَّق فيه التغيير المطلوب في السلوك الذي يجعل الأثر دائمًا مستمرًا.

إن العملية التربوية عملية كبيرة متكاملة فيها معايشة، وتربية بالقدوة، وتعاهد مستمر، واكتشاف للطاقات، وتوجيه للسلوك، وترسيخ للقيم، وصبرٌ على هذا التقويم ضرب فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة وهو يربِّي صحابته الكرام في الفترة المكية وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم، فرسِّخ في قلوبهم مراقبة الله –عز وجل- واستحضار معيته.. علَّم وصحَّح وتعاهد.. يُنكر على أحدهم يسب أخاه ويقول له: (أعيَّرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية)، ويظل ملازمًا لأصحابه الكرام يتعلَّمون من لفظه وسلوكه حتى تغيرت النفوس، وتوهَّجت القلوب، فغيَّرت وجه الأرض بعون الله –عز وجل-.

ثم إن الأعمال المتفرقة كالدروس والمحاضرات والمواعظ والكتب والأنشطة العامة إذا لم تكن ضمن منظومة تربوية ذات هدف واضح يُسعَى من أجله فإن أثرها اللحظي غير كافٍ لإحداث التغيير المنشود.

إن المهمة الملقاة على عاتق المربِّين الحقيقيِّين المزكِّين للنفوس الصابرين على التغيير مهمةٌ عظيمةٌ وحملٌ ثقيلٌ وأمانة كبرى، فهم لا يعملون من أجل مستقبل فرد أو فردين أو طائفة؛ بل من أجل مستقبل الأمة بأسرها.

محمد مصطفى عبد المجيد
[جريدة الفتح - عدد 34 – 15/6/2012]

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top