سأعود
(خواطر)
نزلتُ من بطن أمي إلى الدنيا
ملأتُ صدري بالهواء
سعِدتْ بي الدنيا
طيور الدار تشدو
ترفرف حولي
تزغرد
وعصفوري الصغير
ألعب معه.. أداعبه
الأمن
السلام
الخير
السعادة
كلمات استقيتها وأنا ألقم ثدي أمي
أرى أمي تطحن في رحى منزلنا الصغير
تشدو الرحى بين يديها
تحتضنني
تلعب معي
تداعبني
وذات يوم:
أمي ما هذا الصوت؟
نظرَت إلي:
لا تعبأ به
لا تخرج إليه
إنه الشر يا ولدي
هؤلاء هم الشياطين
أطرقت أسمع الصوت بالخارج:
ولكنهم يا أمي يذيعون أن عندهم خيراً
قالت:
هؤلاء لا خير عندهم يا ولدي
هؤلاء لا يعرفون سوى الشر
الخير هنا يا بني
في أحضاني
خواطري تعترك بين جوانحي
أأظل هنا أم أخرج لهؤلاء:
لا يا أمي..
سأخرج إليهم وأجربهم
لابد أن عندهم خيراً
نظرت إلي نظرة لم أرها من قبل:
ما هذا الذي في عينيك أماه؟
إنه الذعر.. لم أعرفه
لأني لم أره من قبل
احتضنتني
سالت دموعها حارة:
إنها غارة يا ولدي
إنه الهلاك والدمار
لو تركتني الآن ستنهار
ستصير في ذيل أمم الشيطان
سيخسر العالم كله
نظرت إليها بعيني الحائرتين:
سأجرب أماه.. وسأعود سريعاً
انسللت من حضنها الدافئ
فتحت باب المنزل وخرجت
و..
وانهال قصف الشياطين
مرت لحظاتٌ كأنها كابوس مخيف
سكن القصف للحظات
*****
نظرت حولي
عصفوري الصغير.. رأيته غارق في دمائه
لماذا لا يتحرك؟
قم يا عصفوري
ملك الرعب قلبي
قمت
جريت بعيداً
مذعوراً
أتعثر في أشلاء المدنيّة المزعومة
أنظر حولي
أتلمس الضوء حولي
أين هو؟
أين طيور بيتنا؟
لا أرى حولي سوى العقارب
الفئران
الذباب
أجري.. أهرول
أسمع رحى البيوت
لماذا استحال صوتها صراخاً؟
قد كانت تشدو لما كنتُ مع أمي
لماذا تصرخ الآن؟؟
ملتاعة مذعورة؟؟
أهرول
لا أفهم شيئاً
لا أرى حولي من وجوه أهلي إلا وجوهاً صفراء ملتاعة
وأيدي شاحبة
أتعثر
أقوم.. أنظر حولي
لا أرى سوى أسلحة
صواريخ
انفجارات
قراصنة
و..
أشلاء أحبابي
أين من يحميني يا أمي؟
لا أرى حولي من أهلي سوى ساجد لهؤلاء الشياطين
ما هذه أماه؟؟
سجون
معتقلات
ظلم
دماء أحبابي في الكئوس
تدور على موائدهم
ورؤوسهم قرابين
قدموها على موائد الشيطان
و..
خطب رنانة
تصفيق حاد
طواغيت
أحبار ورهبان
و..
صرخات
أخذت أعدو وأعدو
كم مر من الزمان وأنا أعدو؟
وقفت مستنداً على حائط قريتي
أسعل.. أرتجف
خائفاً.. ملتاعاً
وددت لو أصرخ صرخة أخرج فيها آلامي
لم أتمكن
لقد شاب رأسي
وهن عظمي
لقد تعبت.. وضاع عمري
أتعرفين أمي منذ كم وأنا أجري؟؟
منذ مائة عام
منذ انتقلت قيادة الدنيا إلى هؤلاء الشياطين
ليتني ظللت في أحضانك أمي
ليتني لم أنصرف عنكِ
أين أنت يا أمي؟
سمعت همس روحها يهتف:
ألم أقل لك يا ولدي؟
لمَ لم تسمع كلامي؟
لمَ لم تبالِ بنصحي؟
أجبت بشفتين مرتجفتين:
وماذا أفعل الآن أماه وقد ضاع العمر؟
سمعت صوتها الحاني:
لو عدتُ إليّ سألدك من جديد
سألدُك مرة أخرى
لتطهر الأرض من الشياطين
ولن تولد إلا إذا عدت إليّ
لن تشرق مرة أخرى إلا من مطلعي
لن تنبت إلا في تربتي
فالعز لن ينال إلا من عندي
فبي صلح إخوانك في الماضي
ولن تصلح أنت إلا إذا عدت
فهل تعود؟
*****
صدقت أماه!!
لقد كانت المدنية المزعومة شبحاً تراءى
أعجبت به
انبهرت بجمال منظره وبهجة ألوانه
فاتبعته
وها هي الدنيا بعد إعراضي عنك أماه
سأعود إليك مرة أخرى
سأعود إليك وأرمي نفسي بين أحضانك
سأعود إليك لأطهر الأرض
ليحيا عصفوري الصغير مرة أخرى كي ألعب معه
لأرى الوجوه الباسمة مرة أخرى
و..
ولأقتل الشيطان
سأعود إليك أماه
سأعود..
*****
5 ربيع الأول1427هـ
المشاركات
0 التعليقات: