الأربعاء، 20 مارس 2013

حُطام (قصة قصيرة)

نشرت من طرف : Unknown  |  في  5:09 ص


حُــطــام
(قصة قصيرة)

حِرتُ في الإشارة إليها..
هل أقول هذه أم هذا؟
حِرتُ لأني لا أرى أمامي إلا حطاماً بشرياً ملقىً على ناصية الطريق، ماداً يده التي ما هي إلا عظام مكسوَّة بجلد مهترئٍ قد التصق بها التصاقاً..
وما يُنبؤك بأنوثة هذا الحطام إلا ذلك الحجاب المُخرَّق على رأسها، والذي اجتهدَتْ في لَفِّه حولها علّه يستر عورتها خاصةً بعد أن أكثرت خروقُ ثوبها من تحديها كلما أرادت أن تتستر..
خرجَتْ وألقَتْ بما بقى في جسدها من حياة على الأرض ومدَّتْ يدها.. ما أخرجها إلا ألمُ الجوع الذي فتك بأحشائها وببطون صغارها فأخذوا يتلوُّون ويبكون ويصرخون: (ماما)..
المساكين.. لا يدرون أن (ماما) أيضاً تريدُ أن تصرخَ.. ولكنَّ ألمهم وألمها قد أخرسوا لسانها فلم تستطع حتى أن تصرخ..
ألقَتْ نفسها ومدَّت يدها.. مرَّ بها المترفون.. رآها الأغنياء.. أسفت عليها إطارات السيارات الفارهة التراب.. ويدها ما زالت ممدودة..
رأيتُ هذا المشهد.. وتعجبتُ من قسوة قلبي، كيف صار يرى الجائع يصرخ أمامه ولا يهتز، والعائز يستغيث به ولا يرتجف قلبه..
أقَسوتَ قلبي من إلف هذا المشهد؟
أقسوتَ قلبي من اعتياد رؤية الشَّبِع الذي يؤثر صندوق القمامة بالطعام عن أخيه المتضور جوعاً؟!
آه منكَ قلبي!
لمحتُ هذا المشهد، ولكن ما لبث أن ارتجَّ قلبي لما رأيتُ ذلك الحطام الآخر..
رأيتُها.. امرأة مشابهة للأولى.. دَمَج الفقرُ –أيضاً- بين عظامها وجلدها، ولكنْ بقيَّة قوةٍ قد مكَّنتها من أن تجر ساقين هزيلتين على الأرض.. مرَّت بها وفي يدها كيس قذر به رغيفان، لم أتردد في الجزم بأن أحدهم ممن رق قلبه قد عطف عليها بهذين الأصمين..
وقف الحطام الثاني على رأس الحطام الأول.. نظرَتْ إليها نظرة.. أردتُ أن أصف تلك النظرة ولكن أبى قلمي أن أغوص -بلغتي القاصرة- في أغوار تلك النظرة، وأن أشوّش عليهما -باعوجاج بياني- هذه المشاعر..
وقَفَتْ المرأة ومدّت يدها في الكيس.. أخرجَتْ أحد الرغيفين.. ووضعته في يد شقيقتها في الألم والجوع..
آه من الإنسان!.. ألا يرِقُّ قلبه حتى يذوق الألم ويتلظى بمرارته؟!


ليلة الثلاثاء 22 من ربيع الأول 1428هـ 

التسميات : ,

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

Blog Archive

back to top